( نـــــــــــواعــــــــم )
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاعلام وتحدي الوسطية

اذهب الى الأسفل

الاعلام وتحدي الوسطية Empty الاعلام وتحدي الوسطية

مُساهمة من طرف سمية 2007-11-15, 11:03

يمكن القول بأن كل نشاط إنساني حديث في عالم اليوم تستطيع أن تتحدث عن "الوسطية" فيه بطيب نفس وروح إيجابية باستثناء نشاط واحد فقط، وهو "الإعلام"، ربما كان هذا المدخل صادما للبعض، وربما رآه آخرون نوعا من الاستظراف ، ولكنه مدخل أمين ومباشر لكي نحدد سبيلنا الأنفذ نحو "تهذيب" الرسالة الإعلامية بما تحقق غايتها الفنية والتسويقية من ناحية، وتحقق نفع المجتمع أو عدم الإضرار بمصالحه الحيوية من ناحية أخرى.
الاعلام وتحدي الوسطية I


الإعلام يقوم في صميمه وجوهره على شهوة "الجذب"، فالمنطلق الأول لأي جهد إعلامي هو كيف يمكنك اجتذاب أكبر نسبة من المشاهدين أو القراء أو المستمعين، ثم يأتي من بعد ذلك الضوابط والأخلاقيات والالتزام الاجتماعي أو الديني وغير ذلك، ومن ثم فالحديث عن "الوسطية" أو ثقافة الوسط في المجال الإعلامي فيه رؤية "وعظية" مسرفة في التفاؤل والطوباوية، وذلك أن شهوة الجذب تجعل وجهة الإعلام دائمة نحو كل غريب أو صادم أو ملفت حتى لو كان متطرفا أو مغاليا أو مهووسا، بل إن هذه النوعيات الأخيرة هي الأقرب إلى الجذب الإعلامي، وهي بالتالي الأقرب إلى التسويق الإعلامي، ولعل هذا تحديدا ما يجعل من معدي البرامج الحوارية في القنوات الفضائية مهمومين بالبحث عن الشخصيات المثيرة للجدل والصخب الفكري بغض النظر عن قيمتهم العلمية أو الفكرية، فالشخصية الضحلة والسطحية ولكن المقتحمة والمتوترة والصدامية هي الأكثر جاذبية لدى الإعلام، ليس الإعلام العربي وحده، وإنما الإعلام حيثما كان وكيفما كان، بطبيعة الحال هناك جهود إعلامية يمكنها أن تكسب مصداقية وجاذبية كبيرة عن طريق الجدية والاحترام والحوار الخلاق بيد أن لهذه النوعية من الجهود شروطا اجتماعية وسياسية وحضارية يصعب تحققها في العالم العربي ومن ثم كان السبيل الآخر هو "الأرخص" والأسرع والأقل تكلفة، ماليا وسياسيا على السواء.

الاعلام وتحدي الوسطية I

كيف يمكن لنا الخروج من هذا المأزق، تلك هي القضية، وهي مسألة تحتاج إلى حوارات مكثفة وصريحة بين الإعلاميين والمثقفين وممثلي المجتمع الأهلي باهتماماته الثقافية والاجتماعية والدينية المختلفة، لأن هذا المسار المهووس بالتطرف والغرابة والتوتر هو -في النهاية- ضار للغاية بقضايا المجتمع ولغة الحوار فيه، ومهيج لروح القطيعة والصراع بدلا من التواصل والحوار، قد يكون هذا النوع من التهييج الإعلامي مثمرا وفعالا في المجتمع الغربي، أو على وجه التحديد، أقل ضررا، وذلك لأن ذلك المجتمع قد شهد تحولات تاريخية على مدى طويل استقرت فيها أعراف معينة، أو ترسخت هناك أمراض فكرية أو أخلاقية معينة، بحيث يكون مثل هذا السلوك غير ضار أو أخف ضررا، ولكن لا شك أن خصوصية المجتمع العربي المسلم تجعله مختلفا تماما عن ذلك، وتجعل من هذا السلوك الإعلامي بوابة خطيرة للغاية نحو الانفلات والتوتر والتطرف وتغذية الغلو في الفكر والدين والأخلاق

وإذا نظرنا إلى حال الإعلام العربي اليوم فإننا سنجد وجهة التطرف هي المهيمنة عليه، في الأخلاق والسياسة والفن والثقافة وغير ذلك، ففي الأخلاق حدِّث ولا حرج عن موجة الابتذال والإسفاف التي تهيمن الآن في ساحة الفضائيات وخاصة القنوات الجديدة التي تبث مواد أقرب إلى الإباحية منها إلى الفن، وهي رسالة تحض بوضوح على الانفلات والعري والرقص الخليع والمعاكسات الشبابية والإغواء الجنسي بكل صوره، وبدرجة لا سابق لها في الإعلام العربي منذ نشأته، وهي موجة كان من عنفوانها أن اضطرت بعض القنوات الرسمية العربية إلى مجاراتها نسبيا حتى لا تخسر "السوق" الإعلامي الجذاب لدى المراهقين، أي أن الرسالة الفنية الآن تنحو بوضوح جهة التطرف الشديد، والمشكلة ليس فقط في هذا الجنوح الأخلاقي المستهتر وحده، وإنما في رد الفعل المقابل، لأن هناك قطاعاً آخر من المراهقين سوف يستنفر –سلبيا- تجاه هذه الإباحية ويترك لخياله الفكري والديني العنان لكي يوصف ذلك كله بأوصاف ليس أقلها الكفر والإلحاد، صحيح أن القاعدة الأوسع بين الشباب المسلم هي قاعدة وسطية تجرم الانفلات الأخلاقي وتدينه وتواجهه، ولكنها تملك حصانات علمية وتربوية تحول دون التطرف المضاد، ولكن هناك بكل تأكيد فريق آخر لا يستهان به سوف يولد ذلك لديه تطرفا مضادا يمكن أن تتصاعد أفكاره وسلوكياته إلى آماد خطيرة في المجتمع، وإذا ذهبت تبحث عن أسباب هذا التطرف ذي الوجه "الديني" فسوف تجدها بكل تأكيد في ذلك التطرف الأخلاقي الذي أسسته دوائر إعلامية باعت كل شيء من أجل المكسب السريع.

الاعلام وتحدي الوسطية I

أيضا على المستوى السياسي، فإن تطرف الخطاب السياسي الرسمي أحيانا يولد خطابا سياسيا مقابلا أشد تطرفا، وخاصة عندما يتم احتكار الخطاب السياسي الرسمي في أوساط فكرية وعقائدية معينة دون غيرها، وحرمان الآخرين من المشاركة والحضور، فإن هذا يولد توترات نرى صخبها كثيرا في منابر الفضائيات المهتمة بالشأن السياسي، وليس من شك في أن مسألة غياب الحريات بشكل عام والتضييق عليها تعتبر بابا سحريا للغلو السياسي والإعلامي، لأن التجربة في الشرق والغرب سواء، أكدت على أنه كلما كان لدى المتحدث إدراك بأن الطرف الآخر يسمعه جيدا ويقدر ما يقوله حتى وإن اختلف معه فإن صوته ونبراته وتوتراته ستكون أكثر اتزانا وهدوءا وإحساسا بالمسؤولية، وبالمقابل كلما وجد أنه يصرخ في واد، ولا أحد يسمعه أو يتيح له الفرصة للتعبير الكامل عن وجهة نظره فإن الصراخ لديه سيتزايد مع الوقت وتوتراته ستصل إلى درجات من "الزعيق" البعيد عن أي منطق أو حكمة أو إحساس بالمسؤولية، وهذا ما نشاهده في الحقيقة في ساحة الإعلام السياسي.

الاعلام وتحدي الوسطية I

ومن ثم فمسألة تحقيق رسالة "الوسطية" في المجال الإعلامي مسألة معقدة، لأنها مرتبطة بأكثر من بعد سياسي وأخلاقي واجتماعي وفني وديني، ولكن بالمقابل فإن هذه الحقيقة تجعلنا نحن الإعلاميين أمام مسؤولية جسيمة للغاية، لأنه إذا كان الإعلام متأثرا بالمناخ المحيط به، إلا أنه هو ذاته أيضا يصنع مناخا أو يؤجج من فعالياته أو يزيد من اندفاع موجاته وكذلك يمكنه من تحجيم اندفاعاته وتهذيب توجهاته وطرح البدائل العقلانية الرشيدة، وبالتالي فلا بد من العمل على إيجاد ميثاق أخلاقي للعمل الإعلامي خاصة في هذه الأوقات التي تتسارع فيها الأحداث والتحولات في بلادنا.

الاعلام وتحدي الوسطية Iالاعلام وتحدي الوسطية I
وعندما نتحدث عن الإعلام الإسلامي بشكل أخص، فإننا -وباطمئنان كامل- نؤكد بأنه أكثر القطاعات الإعلامية مظلومية في العالم العربي، لاعتبارات كثيرة، منها سقف الحرية المتاح له، لأنه الأكثر انخفاضا بين أقرانه من منابر الإعلام المختلفة، وهو ما يقيد الكثير من انطلاقاته ويفقده ميزات تنافسية عديدة مع الآخرين، فهناك حساسيات زائدة في الأوساط الرسمية تجاه الإعلام الإسلامي، تجعلهم يضيقون عليه ما يوسعونه على غيره، وهو الأمر الذي ورَّث المشتغلين بالإعلام الإسلامي إحباطات عديدة، وجعل هناك أكثر من رقابة ذاتية على أعمالهم، بدلا من انتظار الرقابة الخارجية، فضلا عن أن الأجواء الدولية المحيطة بالعالم الإسلامي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر أضافت الكثير من الحساسيات، والحقيقة أن الإعلام الإسلامي هو المنبر الأكثر قدرة على معالجة قضايا التطرف الديني بشكل خاص، إذا ما أتيحت له فرصة العمل في أجواء مفتوحة بحرية أوسع وآفاق أكثر رحابة، وذلك أنك حتى تستطيع معالجة قضايا معقدة مثل التطرف الديني أو الإرهاب المتمسح بالإسلام فإنك لا بد وأن تمتلك مصداقية لدى المتلقي، وبدون أن تمتلك مثل هذه المصداقية لا يمكن لرسالتك الإعلامية أن تؤتي ثمارها أو تحقق مرادها، وهذا -مع الأسف- ما لا يريد أن يدركه الرقيب العربي أو المتابع لشؤون الإعلام في بلادنا، وهذه المصداقية لا بد لها من تكلفة، ولا بد من تحمل مثل هذه التكلفة طالما أن المردود سيكون كبيرا وعظيما ونافعا للأمة، أما التضييق والفزع من كلمة تقال أو فكرة تطرح أو شخصية تأتي أو تظهر، فمثل هذا الأمر يضعف المنبر الإعلامي ويقلل من جاذبيته كما يقلل من مصداقيته، وبالتالي يخسر قدرته على الإقناع والتوجيه والإرشاد، وبأمانة شديدة فإن معظم المنابر الإعلامية الإسلامية مقروءة ومسموعة و مرئية في الآونة الأخيرة قامت بدور كبير ومضني في التصدي للتطرف الفكري ولموجات العنف، أحيانا بحِرَفية وقدرة ومصداقية أكثر من الإعلام الرسمي بكل إمكانياته الضخمة، ولقد قام الإعلام الإسلامي بمثل هذا الدور احتسابا، وإحساسا من القائمين عليه بالمسؤولية تجاه تحولات خطيرة تجري في المجتمع لا بد من التصدي لها ومعالجة مخاطرها، ومع الأسف، فإن مثل هذه المواقف النبيلة لم تحظ -في المقابل- بأي تقدير عملي يتيح لها حيوية أكثر في العمل والعطاء، وأيضا في السباق الإعلامي مع منابر أخرى "مدللة"، ولم يحظ الإعلام الإسلامي سوى ببعض الكلمات المعسولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
الاعلام وتحدي الوسطية Iالاعلام وتحدي الوسطية Iالاعلام وتحدي الوسطية I
سمية
سمية
نــــــاعـــــــم خالص
نــــــاعـــــــم خالص

انثى
عدد الرسائل : 187
العمر : 39
الدولة : الجزائر
تاريخ التسجيل : 14/09/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى